الخميس، 4 يونيو 2020

مدونة الملاحم واللفتن الباحث ابو عبدالله المقدادي



منهجيتي في التعامل مع أحاديث الفتن

(سنداً ومتناَ) ...( مقدمة عامة ) ... (ج/١)


قال: ياشيخ، الحديث الذي ذكرته قال فيه اهل العلم انه ضعيف بل موضوع بل منكر .
قلت: مين هم اهل العلم اللي قالوا ؟
قال: اقرأ هذا المنشور الذي ارسلته لك .
قلت: ومن الذي كتبه ؟
قال: لا اعلم .
قلت : وهل تعرف الفرق بين الحديث الضعيف والمنكر والموضوع ؟ وما حكم العمل في كل منهم ؟؟
قال: ها ... لا والله يا شيخ .. ولكن اقرأ المنشور اللي ارسته لك.
قلت: وكيف آخذ ديني واتعلم من مجهول؟ ما ادراك ان الذي كتبه الذباب الالكتروني الصهيوني، او شخص جاهل ، او من اصحاب منهج الخوارج ... او غير ذلك ؟
عموما ساشرح لك هذه المسائل على شكل نقاط سريعة لتتعلم :
أولا- احذر من المنشورات الجاهزة ولا تنسخ وتلصق ما لا تعرفه حتى لو قرأت فيه آيات واحاديث .
ثانيا - دعني اعطيك نبذة حديثية تستفيد منها دوما:

الحديث عبارة عن سند ومتن:                                                     

أما سلسلة الرجال الموصلة للمتن فهذا يسمى: السند.
وأما المتن: فهو ما ينتهي إليه السند من كلام .(بغض النظر ان كان للنبي عليه الصلاة والسلام وهو المرفوع،، او لصحابي وهو الموقوف،، او لتابعي وهو المقطوع).
وكان علماء الحديث يتعاملون مع السند قبولا ورداً، أي تصحيحا وتضعيفا.
وأما الفقهاء فيتعاملون مع المتن فيستنبطون منه الأحكام والفوائد والعبر .. ولكلٍ من المحدثين والفقهاء قواعدهم وضوابطهم التي ينتهجونها .
وذلك في الأصول وفي الفروع سواء، أي في العقيدة والفقه، بله وفي كل العلوم، وهذا يعلمه كل طالب علم .
قال : هذا شيء جميل .. أكمل لو سمحت .
قلت: وهنا لي وقفة خاصة مع أحاديث الغيبيات، والتي نسميها بأحاديث #دلائل_النبوة، وكذلك نسميها أحاديث #أشراط_الساعة والفتن والملاحم وأخبار آخر الزمان .
فلهذه النوعية من الأحاديث النبوية خصوصية تستمدها لما لهذا العلم نفسه من خصوصية وميزة.
فأحاديث الأحكام والسيرة ثابتة لن تتجدد في معانيها مع مرور الزمن، وقد حكم عليها الفقهاء واجتهدوا فيها وأشبعوها دراسة متنا وسندا، واستنبطوا منها الأحكام وقعدوا لها القواعد وانتهى الأمر... ما عدا المستجدات .. فهي على نفس القواعد والمنهج.
أما أحاديث الغيبيات فمن خصوصيتها أنها دائمة التجدد في معانيها مع مرور الزمن والاحداث الوقائع، فبسبب تشابه الكثير من الفتن او الاحداث.
فقد يقول بعض علماء زمان ما بأنها هي تقصد ما وقع بزمنهم .. ثم يتكرر الحدث ذاته في زمن اخر فيقال بل هذا ما اشار اليه الحديث .. وهكذا... كما حدث ايام المعتصم في قصة فتح رومية مثلا .
وقد يقال عن حدث مستقبلي بأنه هذا الذي وقع في زماننا، فيتعجل الناس الاسقاط لتشابه ما او لشبهة ما .. 
كما قيل عن الرايات السود مثلا .. او عن بعض الشخصيات المستقبلية .. فقيل ان بن لادن مثلا هو الحارث الحراث وعن صدام حسين انه السفياني وعن وزير دفاع امريكا الاسبق انه هو الاعرج الكندي ... وغيرها الكثير من الاسقاطات المتعجلة ..
وذلك لأسباب مختلفة ، كالجهل او التدليس المتعمد او المصلحة او الافكار الايدلوجية ... الخ ..
وما اكثر من ادعى المهدوية في كل زمان .. وفي زماننا خاصة .. والمشكلة أن لكل دجال من هؤلاء أتباع ومدافعين ومروجين ... .
قال: وما الفرق ين الضعيف والموضوع ؟ وكيف نتعامل مع الحديث الضعيف أو الموضوع ؟ 
قلت: حدثتك قبل قليل عن معنى السند والمتن، وان السند يتعامل معه علماء مصطلح الحديث .. فكيف ذلك؟
لقد درسوا سير الرواة وكل ما يخصهم من تاريخ ولادتهم الى مماتهم، وعلى من درسوا ومن درس عليهم، ومن مشايخهم ومناهجهم ، وشخصياتهم هل الراوي عدل أم مدلس ام كاذب ام صادق ام فاسق ام مبتدع ام غير ذلك ..الخ، وكذلك درجة الحفظ والضبط والنسيان وسوء الحفظ والغفلة والوهم والفحش في الغلط او لا ومخالفة الثقاة .. وماذا رووا من احاديث ... وغيرها من الامور .. يعني دراسة "استخباراتية" موثقة .
المهم .. بعد أن درسوا سير الرواة جعلوا ما سموه بعلم الرجال او علم الجرح والتعديل، وهذا وفق ضوابط علمية دقيقة جدا .. وهذا من ميزات هذه الأمة التي حسدها عليه جميع اهل الملل الاخرى .. فلا تجد عندهم هذا العلم كما هو عندنا .
الحاصل .. ومن خلال هذا العلم تم تصنيف الاحاديث ..
(صحيح لذاته وصحيح لغيره، وحسن لذاته وحسن لغيره، وضعيف منجبر وضعيف شديد الضعف) واعتبروا المتواتر خارج هذه الدراسة لقوة ثبوته ، والموضوع خارج هذه الدراسة لأنه ليس حديث اصلا ، بل هو مكذوب ومختلق ومصنوع لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم قطعا... وهذا تعريف الموضوع ، ولا يحل روايته او العمل به مع العلم بحاله انه موضوع .
وهو يختلف كليا عن الضعيف، حالا وتعريفا ورواية وعملا .
فالضعيف، تعريفه: 
هو مالم يجمع صفة الحسن بفقد شرط من شروطه، وهو انواع كثيرة ولكنها ترجع لأحد السببين:
إما سقط (أي مشكلة) في الاسناد، او طعن ( يعني مشكلة) في احد الرواة .
لذا حتى الضعيف درجات، والاصل فيه الاحترلز لحديث نبي الله صلى الله عليه وسلم، لأنه وحي ودين وتشريع.
فمنه الضعيف والضعيف جدا والواهي والمنكر .. وغيرها.
وأما حكم رواية الضعيف والعمل به:
فيجوز عند العلماء رواية الضعيف والتساهل في اسانيدها من غير بيان ضعفها -بخلاف الموضوع- بشرطين:
ألا يتعلق بالعقائد، وألا يتعلق بالاحكام الشرعية اي الحلال والحرام ، (مع ان بعض الفقهاء يقدمون الضعيف على القياس اذا لم يجدوا في الباب غيره ووافق الكتاب والسنة ).
يعني يجوز روايتها ( بصيغة التمريض ) في الوعظ والترغيب والترهيب والقصص #والحيطة_والحذر . (وهذا هو مربط الفرس لدينا الآن في الكلام عن مواضيعنا في الفتن والاشراط) ... فيقال: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو بلغنا عنه كذا ...
ولكن للعمل به فقد اشترط العلماء ثلاثة شروط:
ألا يكون شديد الضعف، وأن يندرج تحت اصل معمول به، وألا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد #الاحتياط.
وبما أنني اشرح لك انواع الحديث فسأذكر لك ايضا نوعين:
المتروك: وهو الذي في اسناده راو متهم بالكذب ، ولاتهامه بالكذب اسباب، إما ان يكون المتن لا يروى الا من جانبه مع مخالفة القواعد العامة، او ان يعرف عنه الكذب في كلامه العادي وليس في الاحاديث النبوية .
المنكر: وله تعريفان: الاول: الذي في اسناده راو فحش غلطه او كثرت غفلته او ظهر فسقه ... والتعريف الثاني: هو ما رواه الضعيف مخالفا لما رواه الثقة .
وهذه التعاريف هي ما اعتمدها الحاغظ ابن حجر رحمه الله .
الحاصل ... 
هل يوجد في هذه المنشورات الجاهزة التي يتناقلها الناس تفصيل الحكم على الحديث وشرح حال الاسانيد والرواة مع ذكر المراجع؟
كيف يقول كاتب هذه المنشورات ان الحديث موضوع بل ضعيف ، او العكس، بينما الضعيف غير الموضوع؟
وهناك نقطة أهم من كل ذلك :
وهي:
هل الكلام والتخريج المذكور في المنشورات او المنقول عن احد مشايخ اليوم ممن لا يعرف حاله في علم مصطلح الحديث.. هل هو يتحدث عن متن الحديث اجمالا ؟
ام فقط عن سند واحد من الاسانيد المؤدية للمتن ؟
واقصد أن أكثر الاحاديث لها عدة روايات بأسانيد مختلفة، قد يصل مجموع اسانيدها لمرتبة الحسن .. وقد لا يصل.. فهل بين هذا المنشور او هذا الشيخ حال الحديث بالتفصيل؟
وحتى تتضح الصورة ساضرب مثالا:
مسألة الهدة في رمضان وعمود النار، كثر اليوم اللغط حولها وانتشرت منشورات تحكي بأن الحديث منكر وموضوع وضعيف ومتروك وووو الخ
ولكنهم لم يبينوا ويفصلوا حال الحديث اجمالا، بأسانيده المهتلفة، فقد تحدثوا عن احد الاسانيد وتركوا بقية الاسانيد ، وليس هذا عمل المتخصص في التخريج، بل هو بنم على جهل المتحدث، وبالتالي عدم الأهذ منه ولا نقل كلامه.
قال: هذا تفصيل جميل لم أكن اعرفه، اذن كيف نعرف ان الحديث ضعيف او صحيح او موضوع؟
قلت: هذا عمل المتخصص، فاسأل المتخصص ولا تحكم انت من عند نفسك، او ان كنت طالب علم لك دراية في مصطلح الحديث فتستطيع البحث في اسانيد الحديث واقوال العلماء القدماء والمتخصصبن في الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف، كالبخاري ومسلم وابوداود والترمذي والدارقطني والحاكم والبهقي ... والنووي وابن حجر والعسقلاني والسبكي ... وغيرهم الكثير من هؤلاء الاكابر .
قال: ولكني اسمع احيانا تقول صححه الواقع، فما معنى ذلك؟
قلت: هنا سأتحدث عما يسمونه الصنعة، ولكل صنعة أسرار، ولكل صانع ملكات وهبه اياها الله تعالى، وهذا من فقه الرجل وفراسته وتبحره ومجموع شروط وظروف احاطت به من كثرة ما يغوص في اعماق هذا العلم، حتى يصبح له ذوق خاص وملكة خاصة تثق بها .. وقد كان بعض الفقهاء يأخذ ربما بمتن حديث ضغيف ويفضله على متن مشابه له وبسند اصح منه، عندما يستشعر وفق ضوابطه أن هذا المتن أقرب الى الدقة من ذلك الصحيح، وليس هذا الا للفقهاء اصحاب الفراسة والنور الرباني كالشافعي وابو حنيقدفة وغيرهم، فتجد مثلا الامام ابن ححر يقول في احد المتون: وأنوار النبوة واضحة على متن هذا الحديث .. وهكذا.
فأحيانا قد تصلنا الروايات بأسانيد ضعيفة، ولكنها مع ذلك تقع واقعا ملموسا، مما يستدعي تجديد النظر و الكلام عن تلك متون هذه الاحاديث وضرورة رفع رتبة الحيطة والحذر الى احتمال صحة الحديث رغم ضعف سنده .
وهنا قد يحدث مزيدا من الاحكام قبولا وردا، من بعض طلبة العلم، كل بحسب علمه وتخصصه، مما يُحدث بلبلة في صفوف الأمة، لاختلاف العقول والأفهام، بله والمصالح والايدولوجيات.
قال: اشرح لي : كيف يكون ضعيفا ثم تقول يصححه الواقع؟ فكيف ضعيف وصحيح في نفس الوقت؟
قلت: هذا سؤال جميل جدا، والآن اسمح لي أن اسألك:
بعد أن شرحت لك معنى الضعيف ، وبأن من اسبابه أن يكون احد الرواة سيء الحفظ مثلا ، او فيه بعض الفسق...
مدونة الملاحم والفتن الباحث ابو عبداالله المقدادي
والآن أسألك ألا يكون أحيانا وربما غالبا لسيء الحفظ كلاما لم ينساه ولم يغفل عنه، بل يحفظه جيدا؟
قال: بلى هذا وارد.
قلت: طيب أليس من الممكن أن يكون الفاسق احيانا صدوق اللسان، يعني رغم أن له سقطات اخلاقية مثلا ولكنه لا يكذب ابدا، أليس هذا وارد أيضا وبشكل طبيعي؟
قال: بلى ، وهذا ابوسفيان قبل اسلامه ، فبرغم كفره الا انه كان يأنف الكذب ويعبره ليس من المروءة.
قلت: احسنت، إذاً .. وارد أن يكون هذا السند الذي حكمنا عليه بالضعف بسبب هذا الراوي أن يكون صحيحا، ولكن ماجعل العلماء يحكمون بضعفه وهم يعلمون هذه المعلومة، هو احترازهم لدين الله ولحديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وعملا بالقاعدة: ما تطرق اليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
قال : سبحان الله هذا لم يخطر لي على بال.
قلت : عندها .. عندما يقع ما اخبر به الحديث فإننا نقول إذاً هذا الحديث من هذا النوع الذي تطرق اليه الاحتمال، فجاء الوافع فحسم المسألة، خاصة ان متن هذا الحديث فيه جملة مثلا مذكورة في حديث اخر صحيح السند ... مثلا.
وازيدك من الشعر بيتا.. فعندما يصحح الواقع متن حديث حكم عليه بالضعف ، فإنني أفرح به لسببين:
الأول .. لأنني وجدت ما أستأنس به أو أعول عليه أو أتعظ به أو أتعلم منه ... وذلك خير من أن اجلس محتارا لا نص عندي في هذه الفتنة او الواقعة .. أليس كذلك؟
الثاني .. لأنني شعرت بأن نبيي صلى الله عليه وسلم كأنه يعيش معي في زمني، وها هو ينصحني بما علمه الله ، بل واستطيع أن اخبر غير المسلم فأقول له هذا قد أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو دليل من دلائل نبوته .
قال: نعم فعلا، خاصة أن العلماء كما قلت آنفا أجازوا العمل بالضعيف حيطة وحذرا... وقتلوا بجواز رواية الضعيف.
قلت: نعم ، أحسنت. ومع حدوثه في الواقع لم يعد ضعيفا، فليس مع العين أين.
قال: ما رأيك بكتاب الفتن لنعبم بن حماد وما فيه من أحاديث قيل عنها بأنها ضعيفة؟
قلت: في الجزء الثاني أجيبك ان شاء الله، حتى لا نطيل على السادة القراء.
فإلى الجزء الثاني ان شاء الله من الحديث عن منهجي في احاديث الفتن متنا وسندا، وعن كتاب نعيم بن حماد رحمه الله .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم لا يغر نكم الرزق والنصر مع المعاصي   عن أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: كان أبو عُبَيْدةَ بْ...