بسم الله الحمن الرحيم
ماذا بعد الوباء ؟
العقوبات الربانية .. والآيات المُرسَلة
(ج ٢ / المسخ )
( الجزء الأول من الحديث عن المسخ)
قال تعالى:
(وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا 59) الاسراء
ذكرت في الجزء السابق أن الآيات إنما يرسلها الله تعال ليخوف بها غباده لعلهم يرجعون فيغفر الله لهم ولا يشتد عليهم بدرجات العذاب فيروا بعد كل عقوبة ما هو أشد منها.
وقلنا أن هذه الأيات اذا بدأت فإنها تتتابع كخرزات في سلك قطع فتساقطت وراء بعضها.
لذا وبعد أن رأينا فتن القتال قد نزلت في الأمة، ثم رأينا الوباء الذي اجتاح العالم، ومن قبله رأينا قرنا وردحا من الزمان المؤامرات وتكالب أعداء الاسلام على المسلمين، حتى أصبحت الأمة في مهب الريح لكل من هب ودب ينال منها، وهي رابضة بلا قائد مظفر مسدد يذود عنها ويجمع شملها.
ومن هذه الآيات التي هُددت الأمة بها، كأسلافها من الأمم حين تعصي الخالق سبحانه وتعالى، وهي من سنن الله في خلقه، التي لا تعرف محاباة ولا مجاملة: عقوبة #المسخ.
قال تعالى:
(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ 60) . المائدة .
أي: قل يا رسول الله محمد -عليه الصلاة والسلام- لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا هل أخبركم بشرّ جزاء عند الله تستحقونه ؟
من طرده الله وأبعده من رحمته وجعل منهم صنفين:
الأول مُسخ قردة وخنازير، مسخا تكوينا حين نقول كن فيكون، وذلك بما اجرموا وعتوا .
والثاني من جعلناهم خدم الطواغيت وعبدَتَهم.( وهذا سأشرحه بعد قليل ان شاء الله لشدة خطورته).
فكلا من هؤلاء وهؤلاء مصيرهم ومكانهم شر مكان وأضل عن سواء الصراط المستقيم.
وقال تعالى:
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ 65). البقرة.
وقصتهم معروفة وملخصها أن الله قد نهاهم عن صيد السمك يوم السبت، وكانت الأسماك تأتي في هذا اليوم تحديدا، وهذا اختبار وابتلاء من الله لهم ، فأرادوا أن يحتالوا على هذا النهي الرباني لهم، فأصبحوا ينصبون الشباك ليلة السبت ويجلون في نهار السبت فلا يصطادون، ثم يأتون بعد انقضاء نعار السبت فيجمعون ما حبست شباكعم التي نصبوها، فكان هذا اعتداءا منهم على الأمر الالهي .
ويسبه ذلك من يسمي الخمر بغير اسمها، والربا بغير اسمه، والزنا بغير اسمه، فيقولون مشروبات روحية وفوائد بنكية وسينما وتمثيل وفن، ثم اذا سمعوا عن المسخ قالوا : أحقا هو !؟
اقول لهم: إي وربي حق، إي وربي حق، اي وربي حق.. قال صلى الله عليه وسلم:
(لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل).
قال ابن كثير في تفسيره: اسناده جيد.
وقال تعالى:
(فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ 166). الأعراف.
قال الامام الطبري: يقول تعالى ذكره: فلما تمرَّدوا، فيما نهوا عنه من اعتدائهم في السبت, واستحلالهم ما حرَّم الله عليهم من صيد السمك وأكله، وتمادوا فيه. " قلنا لهم كونوا قردة خاسئين "، أي: بُعَداء من الخير.
قلت وهنا لنا وقفات هامة جدا:
الوقفة الأولى: لماذا المسخ؟
ما هو المسخ اولا؟
المسخ هو: تشويه الخلق والخلق وتحويلهما من صورة إلى صورة قبيحة، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَشْوِيهٍ وَقِلَّةِ طَعْمِ الشَّيْءِ، وَمَسَخَهُ اللَّهُ: شَوَّهَ خَلْقَهُ مِنْ صُورَةٍ حَسَنَةٍ إِلَى قَبِيحَةٍ. وَرَجُلٌ مَسِيخٌ: لَا مَلَاحَةَ لَهُ.
وأقول:
المسخ أمر تكويني من الله تعالى ناسب حال الممسوخ في اختياره الحر بأن يتمرد على أوامر الله تعالى غير آبه لها، فيختار ما هو أدنى من الأخلاق والشيم والطباع والحركات، بعد أن أكرمه الله وخلقه في أحسن تقويم ورزقه الفطرة السليمة وبعث له أشرف الخلق ناصحين، وأفضل الكتب التي فيها صلاح الدارين، ولكنه عتى وتمرد واختار الأدنى والأسفل من كل المعنويات، فاستحق أن يُحوّل الى الأدنى والأسفل من تحولا ماديا ملموسا، فيُمسخ من المكانة البشرية الانسانية المكرمة الى مكانة الذل والخسة التي لا كرامة له فيها.
وقد مسخ الله تعالى أقواما من قبل الى قردة وخنازير وفئران وضبان .. كما ذكرت الروايات الصحيحة.
الوقفة الثانية:
لماذا التهديد بالقردة والخنازير بالتحديد؟
الجواب: ومما سبق شرحه في الفقرة السابقة، فإذا دققنا النظر في طباع وحركات وأخلاق وشكل القردة والخنازير ، فسنلاحظ ما يجعلنا نفهم الحكمة من الاختيار لهذين الحيوانين:
فأشهر اخلاق القردة التقليد الأعمى، والقفز والحركات السريعة، التي لا تشبه من حركات البشر الا اذا قام مترنحا يتراقص سكرا وطربا مخمورا، في جو لهو وفحش ، أو اذا قام بالتمثيل الساقط الذي يجمع الفواحش، بلا غيرة ولا حياء، تماما (كنجوم الفن كما يحلو لهم تسميتهم) فترى الممثل منهم ينظر الى زوجته الممثلة في مشهد يغضب الله تعالى، من غير أن تتحرك فيه مشاعر الغيرة والحياء والنخوة، من غير ان يرتدع او يتذكر.
فسبحان الله، لقد اختار هؤلاء وأشبابهم (من أهل بعض الطبقات والمجتمعات الخاصة) التي يتم فيها تبادل الزوجات في سهراتهم، اختاروا أن يتشبهون بالقرد من حيث كشف عوراتهم لبعضهم البعض، فاستحقوا المسخ الى قردة، ومعلوم ان عورات القردة مكشوفة لا يغطيها وبر ولا ريش، بل ولها لونا مغايرا للون جلودهم، إمعانا في الظهور والتقزز من منظرها..... فناسب هذا ذلك .. ولا يظلم ربك أحدا .. وهذا المسخ الحقيقي التكويني فيه زيادة للاعتبار لمن كان يخشى الله ويعلم قدرته وعواقب معاندته والعتو على نواهيه وأوامره .... فاعتبروا يا اولي الألباب.
أما طبائع الخنازير:
فمعلوم عنها الغباوة والقذارة وسوء الخلق، وأنها اذا وضعت في مكان نظيف فيه زاوية قذرة اختاروا القذارة، وأن الخنزير لا يغار، وأنه ينكح أمه ولا يتوانى عن فعل ذلك أمام الخنازير.
وكل هذه الصفات أيضا تناسب من يختار لنفسه تلك الطباع والأخلاق والصفات المخنزرة، فلا تسألن بعد ذلك لماذا المسخ الى الخنازير بالذات، ولا تحتار من حكمة الله تعالى وغيرته على دينه وخلقه، وغضبه بعد إمهاله وانذاراته الكثيرة، وحلمه على الأشرار، وغيرته على الاخيار... فاعتبروا .
يقول فضيلة الإمام محمد متولي الشعراوي رضي الله عنه:
( المسألة في أنه نقلهم نقلا من انسانية مكرمة الى بهيمية، بهيمية في القيم، بهيمية في الارادة، اي انكم لا تستحقون أن تكونوا ممنهجين بمنهج الله ، اذا يجب أن تكونوا في الخلق الأدنى، لأنكم لم ترتفعوا بما آتاكم الله من تكريم في خلقكم وخلقتكم وخلقكم في القيم المنهجية ... مثال: القرد الحيوان المفضوح السوأة، ولها لون مميز عن الجسم، وخفة الحركة ، وأنه لا يتأدب الا بالعصا، وهؤلاء ايضا كذلك، فهم لم يتأدبوا الا حينما رفع الله فوقهم الطور ....).
...........
............
..........
...........
وحتى لا يطول الموضوع أكثر من ذلك .. في الجزء التالي ان شاء الله:
ما هي اسباب المسخ؟
متى نتوقع أن تظهر هذه العقوبات.. والعياذ بالله؟
من هي الفئات المعرضة للمسخ؟
وهل ستكون عقوبة منتشرة في المجتمعات أم خاصة ونادرة؟
فإلى الجزء التالي بإذن الله تعالى ... تابعونا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق